سورة الزخرف - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{من} في قوله: {ومن يعش} شرطية، وعشى يعشو، معناه: قل الإبصار منه كالذي يعتري في الليل، وكذلك هو الأعشى من الرجال، ويقال أيضاً: عشى الرجل يعشي عشاء إذا فسد بصره فلم ير، أو لم ير إلا قليلاً.
وقرأ قتادة ويحيى بن سلام البصري: {ومن يعشَ} بفتح الشين، وهي من قولهم: عشى يعشي، والأكثر عشى يعشو، ومنه قول الشاعر [الحطيئة]: [الطويل]
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره *** تجد خير نار عندها خير موقد
وفي شعر آخر [عبد الله بن الحر]:
تجد حطباً جزلاً وجمراً تأججا ***
وقرأ الأعمش: {ومن يعش عن الرحمن}، وسقط: {ذكر}.
فالمعنى في الآية: ومن يقل نظره في شرع الله ويغمض جفونه عن النظر في ذكر الرحمن، أي فيما ذكر به عباده، فالمصدر إلى الفاعل، {نقيض له شيطاناً} أي نيسر له ونعد، وهذا هو العقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح، وهذا كما يقال: إن الله يعاقب على المعصية بالتزيد في المعاصي، ويجازي على الحسنة بالتزيد من الحسنات، وقد روي هذا المعنى مرفوعاً.
وقرأ الجمهور: {نقيض} بالنون. وقرأ الأعمش: {يقيض}، بالياء {شيطاناً}، أي يقيض الله. وقرأ ابن عباس: {يُقيَّض له شيطانٌ}، بفتح الياء الثانية وشدها ورفع النون من شيطانٌ.
والضمير في قوله: {وإنهم} عائد على الشياطين. وفي: {يصدونهم} على الكفار. و: {السبيل} هي سبيل الهدى والفوز. والضمير في: {يحسبون} للكفار.
وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر وأبو جعفر وشيبة وقتادة والزهري والجحدري: حتى إذا جاءانا على التثنية، يريد العاشي والقرين، قاله سعيد الجريري وقتادة. وقرأ أبو عمرو والحسن وابن محيصن والأعرج وعيسى والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي: جاءنا يريد العاشي وحده. وفاعل: {قال} هو العاشي.
وقوله: {بعد المشرقين} يحتمل ثلاثة معان، أحدهما: أن يريد بعد المشرق من المغرب، فسماهما مشرقين، كما يقال: القمران والعمران، قال الفرزدق:
لما قمراها والنجوم الطوالع ***
والثاني: أن يريد مشرق الشمس في أطول يوم، ومشرقها في أقصر يوم، فكأنه أخذ نهايتي المشارق. والثالث: أن يريد {بعد المشرقين} من المغربين، فاكتفى بذكر {المشرقين}.
وقوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم} الآية حكاية عن مقالة تقال لهم يوم القيامة، وهي مقالة موحشة حرمتهم روح التأسي، لأنه يوقفهم بها على أنهم لا ينفعهم التأسي، وذلك لعظم المصيبة وطول العذاب واستمرار مدته، إذ التأسي راحة كل شيء في الدنيا في الأغلب، ألا ترى إلى قول الخنساء: [الوافر]
ولولا كثرة الباكين حولي *** على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن *** أعزي النفس عنه بالتأسي
فهذا التأسي قد كفاها مؤونة قتل النفس، فنفى الله تعالى عنهم الانتفاع بالتأسي، وفي ذلك تعذيب لهم ويأس من كل خير، وفاعل قوله: {ينفعكم} الاشتراك.
وقرأ جمهور القراء: أنكم بفتح الألف. وقرأ ابن عامر وحده: {إنكم} بكسر الألف، وقد يجوز أن يكون الفاعل {ينفعكم} التبري الذي يدل عليه قوله: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين} وعلى هذا يكون {أنكم} في موضع نصب على المفعول من أجله، وتخرج الآية على معنى نفي الأسوة.


لما ذكر تعالى حال الكفرة في الآخرة وما يقال لهم وهم في العذاب، اقتضى ذلك أن تشفق النفوس، وأن ينظر كل سامع لنفسه ويسعى في خلاصها، فلما كانت قريش مع هذا الذي سمعت لم تزل عن عتوها وإعراضها عن أمر الله، رجعت المخاطبة إلى محمد عليه السلام على جهة التسلية له عنهم وشبههم ب {الصم} و{العمي}، إذ كانت حواسهم لا تفيد شيئاً.
وقوله: {ومن كان في ضلال مبين} يريد بذلك قريشاً بأنفسهم، ولذلك لم يقل: من كان بل جاء بالواو العاطفة، كأنه يقول: وهؤلاء، ويؤيد ذلك أيضاً عود الضمير عليهم في قوله: {فإنا منهم} ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله: {ومن كان}.
وقوله تعالى: {فإما نذهبن بك} الآية تتضمن وعيداً واقعاً، وذهب جمهور العلماء إلى أن المتوعدين هم الكفار، وأن الله تعالى أرى نبيه الذي توعدهم في بدر والفتح وغير ذلك، وذهب الحسن وقتادة إلى أن المتوعدين هم في هذه الأمة، وأن الله تعالى أكرم نبيه على أن ينتقم منهم بحضرته وفي حياته، فوقعت النقمة منهم بعد أن ذهب به، وذلك في الفتن الحادثة في صدر الإسلام مع الخوارج وغيرهم، قال الحسن وقتادة: أكرم الله نبيه على أن يرى في أمته ما يكره كما رأى الأنبياء، فكانت بعد ذهابه صلى الله عليه وسلم، وقد روي حديث عن جابر بن عبد الله أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {فإنا منهم منتقمون} فقال: بعلي بن أبي طالب والقول الأول من توعد الكفار أكثر، ثم أمر تعالى نبيه بالتمسك بما جاء من عند الله من الوحي المتلو وغيره. والصراط: الطريق.
وقرأ الجمهور: {أوحيَ} على بناء الفعل للمفعول. وقرأ الضحاك: {أوحى} على الفعل المبني للفاعل، أي أوحى الله.
وقوله: {وإنه لذكر لك} يحتمل أن يريد وإنه لشرف وحمد في الدنيا. والقوم: على هذا قريش ثم العرب، وهذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وابن زيد. قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل، فإذا قالوا له: فلمن يكون الأمر بعدك؟ سكت حتى نزلت هذه الآية، فكان إذا سئل بعد ذلك، قال لقريش، فكانت العرب لا تقبل على ذلك حتى قبلته الأنصار وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» وروى أبو موسى الأشعري عنه صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الأمر في قريش ما زالوا، إذ حكوا عدلوا، وإذا استرحموا رحموا، وإذا عاهدوا وفوا، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
وروى معاوية أنه عليه السلام قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما أقاموا الدين». ويحتمل أن يريد وإنه لتذكرة وموعظة، ف القوم على هذا أمة بأجمعها، وهذا قول الحسن بن أبي الحسن، وقوله: {وسوف تسئلون} قال ابن عباس وغيره معناه: عن أوامر القرآن ونواهيه: وقال الحسن بن أبي الحسن معناه: عن شكر النعمة فيه، واللفظ يحتمل هذا كله ويعمه.
واختلف المفسرون في المراد بالسؤال في قوله: {وسئل من أرسلنا} فقالت فرقة، أراد: أن اسأل جبريل، ذكر ذلك النقاش، وفيه بعد. وقال ابن زيد وابن جبير والزهري، أراد: واسأل الرسل إذا لقيتهم ليلة الإسراء، أما أن النبي عليه السلام لم يسأل الرسل ليلة الإسراء عن هذا، لأنه كان أثبت يقيناً من ذلك ولم يكن في شك. وقالت فرقة، أراد: واسألني، أو واسألنا عمن أرسلنا، والأولى على هذا التأويل أن يكون: {من أرسلنا} استفهاماً أمره أن يسأل له، كأن سؤاله: يا رب من أرسلت قبلي من رسلك؟ أجعلت في رسالته الأمر بآلهة يعبدون؟ ثم ساق السؤال محكي المعنى، فرد المخاطبة إلى محمد عليه السلام في قوله: {من قبلك}. وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي وعطاء، أراد: وسل تباع من أرسلنا وحملة شرائعهم، لأن المفهوم أنه لا سبيل إلى سؤاله الرسل إلا بالنظر في آثارهم وكتبهم وسؤال من حفظها.
وفي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب: {وسئل الذين أرسلنا إليهم رسلنا}، فهذه القراءة تؤيد هذا المعنى، وكذلك قوله: {وسئل القرية} [يوسف: 82] مفهوم إنه لا يسأل إلا أهلها، ومما ينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59] فمفهوم أن الرد إنما هو إلى كتاب الله وسنة رسوله، وأن المحاور في ذلك إنما هم تباعهم وحفظة الشرع.
وقوله: {يعبدون} أخرج ضميرهم على حد من يعقل مراعاة للفظ الآلهة.


هذه آية ضرب مثل وإسوة لمحمد عليه السلام بموسى عليه السلام ولكفار قريش بفرعون {وملائه}. والآيات التي أرسل بها موسى وهي التسع المذكورة وغير ذلك مما جاءت به الروايات، وخص الملأ بالذكر لأنهم يسدون مسد جميع الناس، ثم وصفهم تعالى بالضحك من آيات موسى، كما كانت قريش تضحك وتسخر من أخبار محمد عليه السلام، ثم وصف تعالى صورة عرض الآيات عليهم وإنما كانت شيئاً بعد شيء.
وقوله: {إلا هي أكبر من أختها} عبارة عن شدة موقعها في نفوسهم بحدة أمرها وحدوثه، وذلك أن أول آية عرض موسى هي: العصا واليد، وكانت أكبر آياته، ثم كل آية بعد ذلك كانت تقع فيعظم عندهم لحينها وتكبر، لأنهم قد كانوا أنسوا التي قبلها، فهذا كما قال الشاعر: [الطويل]
على أنها تعفو الكلومُ وإنما *** توكل بالأدنى وان جل ما يقضى
وذهب الطبري إلى أن الآيات هي الحجج والبينات. ثم ذكر تعالى أخذهم بالعذاب في العمل والضفادع والدم وغير ذلك، وهذا كما أخذ قريش بالسنين والدخان.
وقوله: {لعلهم} ترج بحسب معتقد البشر وظنهم. و: {يرجعون} معناه: يتوبون ويقلعون.
وقوله تعالى: {وقالوا يا أيه الساحر} جائز أن يكون قائل ذلك من أعملهم بكفر السحر فيقول: قوله استهزاء وهو يعلم قدر السحر وانحطاط منزلته، ويكون قوله: {عندك} بمعنى: في زعمك وعلى قولك، ويحتمل أن يكون القائل ليس من المتمردين الحذاق ويطلق لفظة الساحر لأحد وجهين، إما لأن السحر كان عند عامتهم علم الوقت، فكأنه قال: يا أيه العالم، وإما لأن هذه الاسمية قد كانت انطلقت عندهم على موسى لأول ظهورها، فاستصحبها هذا القائل في مخاطبة قلة تحرير وغباوة، ويكون القول على هذا التأويل جداً من القائل، ويكون قوله: {إنا لمهتدون} بمعنى إن نفعتنا دعوتك، وهذا التأويل أرجح، أعني أن كلام هذا القائل مقترن بالجد.
وقرأ ابن عامر وحده: {يا أيُ} بياء مضمومة فقط.
ثم أخبر عنهم أنه لما كشف عنهم العذاب نكثوا، ولو كان الكلام هزلاً من أوله لما وقع نكث.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6